مقابلات مع الأسقف






حديث لسيادة المطران إيلي بشارة الحداد، لجريدة اللواء اللبنانية

مرة جديدة تتوجّه الأصابع الى الصهيونية لتحاصر ما تقوم به من أعمال عدائية بحق الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، وهذه المرة كان على لسان السينودس لأجل الشرق الأوسط، والذي أبدى خشيته على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط··
لقد وضع السينودس الإصبع على الجرح، والنقاط على الحروف بعيداً عن المجاملات والكلام المعسول، فكان قمة روحية مسيحية، ولكن بعباءة وطنية، دعت القادة العرب الى تحمل مسؤولياتهم، والمجتمع الدولي الى عدم إخافة المسلمين بالأعمال العدائية، وطالب <إسرائيل> بإنهاء الإحتلال للأراضي العربية، وعدم الإستناد الى الكتابات التوراتية لتبرير سياستها الإستيطانية··
وجاءت هذه القمة الروحية، التي ترأسّها البابا بنديكتوس السادس عشر بمشاركة حوالى 180 رجل دين شاركوا فى أعمال السينودس ورفعوا الصلوات بلغاتهم الإيطالية واللاتينية والعربية والتركية والعبرية والفارسية، لتؤكد مخاوف المسيحيين والمسلمين على حدٍ سواء من الكيان الإسرائيلي والغزو الغربي الذي لا يُراعي مصالح المسيحيين في المنطقة، بل يؤدي الى تهجيرهم وزيادة مشاعر العداء الإسلامي بإتجاه أعمال الغربي، وضرورة الوعي للمؤامرات التي تُحاك لخلق فتنة إسلامية ? إسلامية خدمة لـ <إسرائيل>··
أما الواقع الإجتماعي الفلسطيني، فكان محور البحث والدعوة لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية والإجتماعية، والتأكيد على حق العودة واقامة الدولة الفلسطينية لضمان هذا الحق والتخوف من حملات التهجير المسيحية والإسلامية من الأراضي المقدسة، والدعوة للتشبث بالأرض، وتحسين الواقع الإقتصادي والإجتماعي للمسيحيين والمسلمين على حدٍ سواء، وتعزيز العيش المشترك··
لقد كان السينودس قمة غير عادية، أصدرت توصيات جريئة، وصرخة حق في وجه الظلم والباطل، وجاء في مرحلة دقيقة تتطلب الوعي والحذر ودعوة للتلاقي على وحدة المصير··
<لــواء صيدا والجنوب> التقى راعي أبرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المطران إيلي بشارة الحداد، الذي شارك في أعمال السينودس للإطلاع على المناقشات والمقررات··

الإسرائيلي مصدر الخطر ما هو الهدف من انعقاد السينودس في هذه المرحلة بالذات؟
كان عقد السينودس لبحث وضع المسيحيين في الشرق الأوسط، فمعلوم أن تعداد المسيحيين في هذه المنطقة كان منتشراً بشكل أكبر، ولكن اليوم هناك انخفاض عددي، يستوجب اعادة دراسة الواقع مجدداً لبحث سبل تعزيز التواجد المسيحي في المنطقة، وكان هذا هو الهدف الأساسي للسينودس·
وفي الأسبوع الأول تم عرض للواقع والمشاكل التي تواجهنا، وكان على رأس ذلك قضية الصراع الفلسطيني ? الإسرائيلي، الذي يخلق جبهة حرب دائمة في الشرق الأوسط، وتزعزع أمني، وعدم استقرار نفسي واقتصادي، حيث لا يستطيع الإنسان أن يستثمر في الشرق الأوسط، فلا نعرف متى تقوم <إسرائيل> بحرب· وكما هو معلوم فإن الصراع في لبنان كانت بدايته في أحد وجوهها فلسطيني ? مسيحي، لذلك نجد المسيحي لديه قلق من هذا الصراع الإسرائيلي ? الفلسطيني، وإن لم يكن بنفس الحجم السابق·
وفي العام 2006 وما جرى من أحداث، يثبت أن الفلسطيني ليس هو مصدر الخطر في الشرق الأوسط، بل الإسرائيلي هو مصدر الخطر، وكذلك ما حدث من أمور قبل هذا التاريخ يؤكد ذلك، وبالتالي فإن الهجرة السبب المباشر لإنحسار التواجد المسيحي سببها الهروب من الحرب والقلق على المصير، وطالما المشروع الإسرائيلي والدولة اليهودية قائمان، نرى بأن التعداد المسيحي في الأرض المقدسة كان 30% قبل العام 1975، ولكن اليوم لا يزيد عن 1.5%، فهل هو مخطط يهودي لنزوح المسيحيين وكذلك المسلمين، لكي يبقوا هم وحدهم؟ هو السؤال الذي يجب أن نلتقي عليه·

المجتمع الغربي ليس مسيحياً هل يتفق المسيحيون في الشرق مع ما يقوم به الغرب من أعمال عدائية؟
من الواضح بعد حرب العراق، أن هناك نزف كبير للتواجد المسيحي، ونرى أن الدول الغربية لا يعنيها التواجد المسيحي في الشرق، وهو ما رأيناه من النزوح في العراق بسبب الهجوم الأميركي على المنطقة· وفي نفس الوقت المسلم أصبح لديه خوف من الهجوم الغربي على المنطقة، مما انعكس أصولية وخوف أكبر يؤدي الى الإنطواء والحذر، فإن التفكير من قبل البعض بأن المسيحي هو عميل غربي في المنطقة أو فدية مقابل معاملة الغرب للمسلمين بطريقة معينة، يتم معاملة المسيحيين بنفس الطريقة، وهنا في بعض الأوقات، فإن المسلم يُخطىء بهذا التصرف في التعامل مع المسيحي، فيما يخطىء الغربي في ترك المسيحي أن يدفع فدية عنه لإعتبار المجتمع المسلم بأنه مسيحي·
لذلك، نحن في السينودس أطلقنا نداءً بأن المجتمع الغربي ليس مسيحياً، وعلى المجتمع الدولي أن لا يفزع المسلمين في الشرق الأوسط، من خلال الهجومات والإحتلالات ووضع يده على مقدرات الشرق الطبيعية من البترول وغيره، وهذا النداء الموجه الى المجتمع الدولي يخدم المسيحيين والمسلمين والعيش المشترك في المنطقة، وتم التأكيد على أنه لم يكن هناك في أي ظرف من الظروف ظاهرة بأن المسلم يريد تهجير المسيحي، ولم نُلاحظ أن أحداً من الأباء ألمح في أي دولة من الدول بأن هناك رغبة اسلامية بتهجير المسيحيين، ولكن الخوف عند المسلمين يجعلهم ينطون على ذاتهم ويجعلهم يتخوفون من أي انسان كان، فحتى المسلم يتخوف من الأصولي اليوم، وهذا الخوف يخدم <إسرائيل> وخططها القائمة على مقولة <فرّق تسد>·
محط افتخار كيف تصف مقررات السينودس في مواجهة التعنت الإسرائيلي والتساهل العربي؟
الى حد معين كان النداء الى الصهيونية العالمية و<إسرائيل> جريئاً، أن لا تستغل الموقف الديني والتوراتي بأنهم شعب الله المختار، لتبرير الأعمال العنفية والظلم الذي لحق بشعوب المنطقة، وخصوصاً الفلسطينيين، وإذا كانوا يريدون دولة دينية، فإن الدولة الدينية لا تتعامل بهذه الطريقة مع أخوتها في المواطنة، فإما هناك مواطنة أو استئثار، فإن كان هناك استئثار فنحن جميعاً ضده· وردة الفعل الصهيونية و<إسرائيل> على السينودس رأيناها من خلال الإنتقاد للبيان الختامي، وهذا محط افتخار لنا، لأن هذه الدولة المعنية بزعزعة الأمن في الشرق الأوسط، وصل لها حقها من الإنتقاد، وكان النداء موجه لها، فشعرنا بنتيجة الجهد الذي قمنا به بعد أسبوعين من العمل الجاد، الذي أثمر نتيجة فعلية على أرض الواقع، فتبين أننا وضعنا يدنا على الجرح، ولم نذهب الى أماكن أخرى، فهناك دولة تغتصب وتأخذ مكان غيرها، تشتري الأراضي لمن يبيعها، ونحن لا نريد الوقوع في هذا المطب، وبلا شك هناك دولة مغتصبة تزعزع أمن الشرق الأوسط برمته· كما تم توجيه دعوة الى القادة العرب بأن يكونوا مخلصين أكثر لقضية الشرق والإسلام والمسيحية في الشرق، وأصالة هذا الشرق، لأننا لا نرى بحسب نتائج السينودس بأن كل القادة هم أبناء قضية واحدة، وهذا نداء الى ضمير هؤلاء القادة لتفضيل المصالح الوطنية العربية: القومية والإسلامية والمسيحية على مصالحهم الشخصية، وهي نقطة جريئة تضع النقاط على الحروف، ليس فقط في الخانة الإسرائيلية، لأن هناك جيوب مهترئة في الخانة العربية، وجهة منها هم العملاء الذين نراهم كل يوم، ولكن هناك جيوب مشرفة أيضاً·

الفتنة والحقوق الفلسطينية ما هي المخاوف الأخرى التي أبداها السينودس، وكيف ينظر إلى الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان؟
كان هناك دعوة الى الوعي لدى المسلمين بأن لا ينزلقوا الى حرب إسلامية ? إسلامية، سنة وشيعة، وتهنئة مبطنة الى أن المسلمين واعون لهذه المؤامرة التي تُحاك ضدهم لزعزعة الشرق الأوسط، وهي مؤامرة كبرى نعرف من يقوم بها، لإدخال الفتنة بين الشعوب المحلية· وكان هناك مداخلات عديدة عن الوضع الإجتماعي للفلسطينيين، لتحسين أوضاعهم سواءً في لبنان أو خارجه، وإخراجهم من خانة المخيمات الى مساكن لائقة وحضارية ضمن اعطاء حقوق مدروسة لا تنفي عنهم رغبة العودة، فهم في مرحلة انتظار قد تطول كما نرى، فهنا أهمية خلق دولتين إسرائيلية وفلسطينية، وكانت هذه من توصيات السينودس، كما هو معروف بأن المفاوضات الإسرائيلية ? الفلسطينية، هدفها في النهاية خلق دولتين تتسلم مهامها، وهي توصية تدعم العودة، دون غض النظر عن الحاجات الفلسطينية اليومية التي يجب تحسين وضعها، لأنها تشكل خطراً داخل المخيمات وعلى المجتمعات التي تعيش فيها، فهي معرضة للإنفجار في أي لحظة، لأن الإنسان عندما يتضايق الى هذا الحد، يقوم بأي شيء، لذلك من الحرام أن يبقى الفلسطيني يعيش في هذه الأوضاع·
كما تم التطرق الى موضوع بيع الأراضي، وطلبنا من الأهالي التشبث بالأرض، وأن تقوم الدولة بحماية هذه الأقلية، وأن لا تكون التشريعات متساهلة أو غائبة لحماية هذه الأقلية، وخصوصاً في ظل تزايد المنافسة التي تؤدي الى ارتفاع أسعار الأراضي، وبالتالي تشجيع المسيحي على بيع الأرض للعيش في أي دولة في العالم، كي يرتاح من الواقع الأمني الذي يؤدي الى هجرة وبيع الأرض وأزمة اقتصادية لغياب فرص العمل والمؤسسات التي تبغي الإستثمار، وهنا لدينا نداء للمسلمين بأن يعززوا جهودهم للحفاظ على أخوتهم المسيحيين، ليس فقط في لبنان، بل في المنطقة الشرق أوسطية ككل، ونرى بأن تلقف النداء من قبل المسلمين كان ايجابياً، سواءً أكان في لبنان أو خارجه، فنشكرهم على هذه المبادرات التي تُعني بأن الشارع الإسلامي واعٍ بأهمية الحضور المسيحي أولاً، ثم لدوره في حماية هذه الأقلية المسيحية·
الهجرة ليست مسيحية فقط ماذا عن ترتيبات البيت الداخلي للكنائس المسيحية، وكيف يُمكن أن تخدم مجتمعنا؟

السينودس عالج أيضاً مواضيع أخرى، منها ترتيبات البيت الداخلي، فهناك كنائس عديدة في الشرق الأوسط منفصلة كل واحدة عن الأخرى، ليس بعداء، ولكن بإستقلالية، مما يؤدي الى ضعفنا إن لم نتساعد، يجب أن يكون هناك لجنة مشتركة لسد حاجات المؤمنين التابعين لهذه الكنائس، فأقساط المدرسة الكاثوليكية مثلاً أصبحت عبئاً على المسيحي والمسلم على حدٍ سواء، وكذلك أي مدرسة خاصة في لبنان أصبحت عبئاً على الناس، كيف يُمكن تخفيف هذا العبء والنهوض بالمجتمع هو الأمر الذي يجب معالجته، لأن الهجرة ليست مسيحية فقط، بل اسلامية أيضاً، وكل ذلك ناجم عن الظروف الإقتصادية، لذلك تم بحث هذه المواضيع التي ستتم متابعتها عبر لجنة منبثقة عن السينودس لدراستها بشكل موضوعي أكبر للوصول الى حلول منطقية وتخفيف العبء الإجتماعي والإقتصادي، والفاتيكان أعرب عن استعداده للمساعدة ضمن الإمكانيات المتاحة، وعلينا أن نُساعد أنفسنا لأنه إن لم نفعل ذلك لن يستطيع أحد مساعدتنا·
والنداء الآخر هو للكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستنتية، نحن في خانة واحدة، فكيف يُمكن التعاون مع هذه الكنائس فيما بينها وبين بعضها البعض وكل كنيسة مع كنائسها، وكيف يُمكن أن نتوحد هو هدفنا، لأن الإتحاد قوة·
اللواء السبت,6 تشرين الثاني 2010 ، حاوره الصحافي سامر زعيتر